الحمد لله الذي خلق الإنسان من تراب ، وفاوت بين الناس في الأخلاق والآداب ، كما فَضَّلَ بعض الأزمنةِ على بعضٍ بحكمته ، ووفق من شاء لطاعته برحمته .
أحمدُهُ سبحانه على كل حال ، وأشكره دوماً على الإنعام والإفضال ، وأشهد أن لا إله إلا الله المتفرِّدُ بالجلالِ والكمال ، له الأسماءُ الحُسْنى والصِّفاتُ العُلى ، يعلم ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين ، بلغ البلاغ المبين ، صلى الله عليه وعلى خلفائه الراشدين ، وآل بيته الطيبين ، وصحابته الكرام الميامين ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد : فإن الله – عز وجل – بحكمته فضَّلَ بعضَ الأزمنةِ على بعض ، وجعل منها مواسمَ للتجارةِ الرابحةِ معه سبحانه ، فكما فَضَّلَ شهر رمضان على الشهور ، فقد جعل العَشْرَ الأواخر منه أفضلَ لياليِهِ وأيامَها أكمل أيَّامه ، وخصها بخصائص عن بقيةِ أيام وليالي الشهر .
ومن أظهر فضائل هذه العشر وخصائِها :
أولاً : اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيها فوق ما كان يجتهد في غيرها ، كما روى مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ) . ومن ذلك أنه كان يحي الليل فيها – كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه، وجدَّ ، وشدَّ المئزر ) متفق عليه .
ومن مبالغته صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد أنه كان يَشُدُّ مئزره ، يعني يعتزل النساء اشتغالاً بالعبادة وتفرُّغاً لها أو بمعنى يجِدُّ في العبادة .فكل ما سمعتم من فعله صلى الله عليه وسلم يدلُّ على اهتمامه بطاعة ربه ، ومبادرته الأوقات واغتنامه الأزمنة الفاضلة .
ثانياً : ومن فضائل هذه العشر وخصائها ومزاياها أن فيها ليلة ا لقدر . وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة ً تتلى إلى يوم القيامة ، وذكر فيها شرفَ هذه الليلة وعِظَمَ قَدرها . وقال فيهـــا صلى الله عليه وسلم ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه ) .وليلة القدر في أوتار العشر الأواخر.وأرجى ليالي الأوتار ليلةُ سبعٍ وعشرين . ورجح بعض العلماء أنها تنتقل وليست في ليلةٍ معينة كل عام .
ثالثاً : ومن فضائل هذه العشر وخصائها ومزاياها الإعتكاف ؛ والإعتكافُ لزوم المسجد لطاعة الله تعالى . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف هذه العشر .
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله قد شرع لكم في ختام شهركم زكاة الفطر ، وهي واجبةٌ لحديث عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : ( فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمرٍ ، أو صاعاً من شعير ، على العبد ، والحُرِّ والذَّكر ،والأنثى ، والصغير ، والكبير من المسلمين ) .ولا تجب زكاة الفطر على الحمل الذي في البطن إلا أن يتطوع به فلا بأس فقد كان أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه –يخرجها عن الحمل ،ويجب إخراجها عن نفسه ، وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم .
ولا تجب إلا على من وجدها زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته ، فإن لم يجد إلا أقل من صاع أخرجه لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .ومن حكمتها الإحسان إلى الفقراء وكفّهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم ويكون عيداً للجميع . وفيها الاتصاف بِخُلُقِ الكرم وحب المواساة وفيها تطهير ُ الصائم مما يحصل في صيامه ، من نقصٍ ولغوٍ وإثمٍ وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه .
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : ( فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطُعمةً للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، من أداها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات .
وأما جنس الواجب في زكاة الفطر فهو طعام الآدميين من تمر أو برًّ ، أرز ، أو زبيب أو أقطٍ أو غيرها من طعام بني آدم .
ولا يجزئ إخراجُ قيمة الطعام ، لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ( أي : مردود ) . ولأن إخراج القيمة مخالفٌ لعمل الصحابة – رضي الله عنهم – حيث كانوا يخرجونها صاعاً من طعام .
ووقت وجوب الفطرة غروب الشمس ليلة العيد فمن كان من أهل الوجوب حينذاك وجبت عليه وإلا فلا .
وأما زمن دفعها فله وقتان : وقت فضيلةٍ ووقت جواز ٍ ؛ أما وقت الفضيلة : فهو صباح العيد قبل الصلاة .
وأما وقت الجواز : فهو قبل العيد بيوم أو يومين . ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد ، فإن أخرها عن صلاة العيد بلا عذرٍ لن تقبل منه ؛ وأما إن أخرها لعذرٍ فلا بأس .
وأما مكان دفعها فتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج سواءً كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين .
أسأل الله تعالى أن يكتبنا عنده ممن صام وقام رمضان إيماناً واحتسابا وأن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الفضيل وأن يوفقنا لقيام ليلة القدر . بارك الله .....
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين . وبعد
عباد الله:
إن شهر رمضان قَرُبَ رحيله وأزف تحويله وإنه شاهدٌ لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال ، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك ، وليَبْشُرْ بحسن الثواب ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ومن أودعه عملاً سيئاً فليتب إلى ربه توبة نصوحا فإن الله يتوب على من تاب .
ولقد شرع الله لكم في ختام شهركم عبادات تزيدكم من الله قربا، وتزيد في إيمانكم قوة في سجل أعمالكم حسنات ، فشرع الله لكم زكاة الفطر وتقدم الكلام عليها ، وشرع لكم التكبير عند إكمال العدة من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد ، قال تعالى : ( ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِرُوا الله على ما هَداكُم وَلَعَلْكُم تَشْكُرُون ) وصفته : أن يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، ويُسَنُّ جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره وَتُسِرُّ به النساء لأنهنَّ مأموراتٌ بالتَّستُّر والإسرار بالصوت .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد مع أن البيوت خيرٌ لهن فيما عدا هذه الصلاة وهذا دليل على تأكيدها . ولكن تخرج غير متجملةٍ ولا متطيبةٍ ولا متبرجةٍ ولا سافرةٍ لأنها مأمورةٌ بالتستر منهيةٌ عن التبرج بالزينة وعن التطيب حال الخروج .
ومن السنة أن يأكل قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً او أكثر من ذلك يقطعها على وترٍ ، لقول أنس بن مالك – رضي الله عنه - : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو الفِطْرَ حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً ) . ويسن للرجل أن يتجمل ويلبس أحسن ثيابه .ولا يجوز للرجل أن يلبس شيئاً من الحرير أو شيئاً من الذهب ؛ لأنهما حرامٌ على الذكور من أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
ويوم العيد يوم فرح وسرور لأمة الإسلام ولكن بحدود المأذون شرعاً فالإسلام لايأذن لمعتنقيه أن يتلذذوا بالمعاصي فهو دينٌ يلازمُ معتنقيه من الولادة حتى الموت ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
عـباد اللـه : هل ننظر في لباس زوجاتنا وبناتنا الذي أعد للعيد ؟ وهل هو موافقٌ للشرع بطولـه وسعتـه أم لا ؟
عباد الله : إن العيد شكرٌ وليس فسقٌ فاحفظوا بناتكم وألزموهن اللباس الشرعي ، وكونوا عوناً لشباب الأمة على حفظ أبصارهم .
اللهم تقبل صيامنا ، وقيامنا ، وصالح أعمالنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اجعل شهر رمضان شاهداً لنا لا علينا ، اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة ، وأزمنةً مديدة ونحن بصحة وعافية ، اللهم اجعلنا فيه من المرحومين ، ولا تجعلنا فيه من المحرومين . اللهم أعد علينا رمضان وقد صفت نفوسنا ورقت قلوبنا وخلت من الضغائن والأحقاد . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد كتبتنا في سجل الفائزين برحمتك يا رب العالمين . اللهم أعد علنيا رمضان ، وقد تعبدت الأرض لرب العباد وآلت إلى بارئها ومعبودها .
اللهم أعد علينا رمضان ، وقد مَنَنْتَ على عبادك الموحدين بتوبة ومغفرة ورحمة من عندك لا يَشْقُونَ بعدها أبداً . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد تآلفت القلوب وتعانقت الأرواح وانتشر خُلُقُ الإيثار في مجتمعنا . اللهم أعد علينا رمضان ، وما زال كتابك لا تراوحه أيدينا ولا تجافيه قلوبنا . اللهم أعد علينا رمضان ، وما زالت مساجدنا عامرة بذكرك فرحة بإقبال العابدين عليها في كل صلاة . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد تحرر مسجدنا الأسير من أيدي اليهود . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد أُعيدت لأمتنا كرامتها وعزتها وتحررت من قيود المستعمرين والطغاة. اللهم أعد علينا رمضان ، وقد عاد شبابنا إلى دينك والتزم هدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أعد علينا رمضان وقد اختفت المسلسلات المغرضة والأفلام الهابطة والأغاني الماجنة من على شاشات إعلامنا العربي والإسلامي . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد اختفت المجاعة والفيضانات والكوارث من أرجاء المعمورة واكتسى المساكين ، واغتنى بغناك الفقير ، وقوي بقوتك الضعفاء والمحتاجين ، وتاب إليك العصاة والمذنبون . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد مننت على فتياتنا ونساءنا بالهداية ولبس الحجاب ، وترك التبرج والزينة خارج البيوت . اللهم آمين
عباد الله إن الله يأمر العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون وأقم الصلاة .
أحمدُهُ سبحانه على كل حال ، وأشكره دوماً على الإنعام والإفضال ، وأشهد أن لا إله إلا الله المتفرِّدُ بالجلالِ والكمال ، له الأسماءُ الحُسْنى والصِّفاتُ العُلى ، يعلم ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين ، بلغ البلاغ المبين ، صلى الله عليه وعلى خلفائه الراشدين ، وآل بيته الطيبين ، وصحابته الكرام الميامين ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد : فإن الله – عز وجل – بحكمته فضَّلَ بعضَ الأزمنةِ على بعض ، وجعل منها مواسمَ للتجارةِ الرابحةِ معه سبحانه ، فكما فَضَّلَ شهر رمضان على الشهور ، فقد جعل العَشْرَ الأواخر منه أفضلَ لياليِهِ وأيامَها أكمل أيَّامه ، وخصها بخصائص عن بقيةِ أيام وليالي الشهر .
ومن أظهر فضائل هذه العشر وخصائِها :
أولاً : اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيها فوق ما كان يجتهد في غيرها ، كما روى مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ) . ومن ذلك أنه كان يحي الليل فيها – كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه، وجدَّ ، وشدَّ المئزر ) متفق عليه .
ومن مبالغته صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد أنه كان يَشُدُّ مئزره ، يعني يعتزل النساء اشتغالاً بالعبادة وتفرُّغاً لها أو بمعنى يجِدُّ في العبادة .فكل ما سمعتم من فعله صلى الله عليه وسلم يدلُّ على اهتمامه بطاعة ربه ، ومبادرته الأوقات واغتنامه الأزمنة الفاضلة .
ثانياً : ومن فضائل هذه العشر وخصائها ومزاياها أن فيها ليلة ا لقدر . وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة ً تتلى إلى يوم القيامة ، وذكر فيها شرفَ هذه الليلة وعِظَمَ قَدرها . وقال فيهـــا صلى الله عليه وسلم ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه ) .وليلة القدر في أوتار العشر الأواخر.وأرجى ليالي الأوتار ليلةُ سبعٍ وعشرين . ورجح بعض العلماء أنها تنتقل وليست في ليلةٍ معينة كل عام .
ثالثاً : ومن فضائل هذه العشر وخصائها ومزاياها الإعتكاف ؛ والإعتكافُ لزوم المسجد لطاعة الله تعالى . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف هذه العشر .
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله قد شرع لكم في ختام شهركم زكاة الفطر ، وهي واجبةٌ لحديث عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : ( فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمرٍ ، أو صاعاً من شعير ، على العبد ، والحُرِّ والذَّكر ،والأنثى ، والصغير ، والكبير من المسلمين ) .ولا تجب زكاة الفطر على الحمل الذي في البطن إلا أن يتطوع به فلا بأس فقد كان أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه –يخرجها عن الحمل ،ويجب إخراجها عن نفسه ، وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم .
ولا تجب إلا على من وجدها زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته ، فإن لم يجد إلا أقل من صاع أخرجه لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .ومن حكمتها الإحسان إلى الفقراء وكفّهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم ويكون عيداً للجميع . وفيها الاتصاف بِخُلُقِ الكرم وحب المواساة وفيها تطهير ُ الصائم مما يحصل في صيامه ، من نقصٍ ولغوٍ وإثمٍ وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه .
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : ( فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطُعمةً للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، من أداها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات .
وأما جنس الواجب في زكاة الفطر فهو طعام الآدميين من تمر أو برًّ ، أرز ، أو زبيب أو أقطٍ أو غيرها من طعام بني آدم .
ولا يجزئ إخراجُ قيمة الطعام ، لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ( أي : مردود ) . ولأن إخراج القيمة مخالفٌ لعمل الصحابة – رضي الله عنهم – حيث كانوا يخرجونها صاعاً من طعام .
ووقت وجوب الفطرة غروب الشمس ليلة العيد فمن كان من أهل الوجوب حينذاك وجبت عليه وإلا فلا .
وأما زمن دفعها فله وقتان : وقت فضيلةٍ ووقت جواز ٍ ؛ أما وقت الفضيلة : فهو صباح العيد قبل الصلاة .
وأما وقت الجواز : فهو قبل العيد بيوم أو يومين . ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد ، فإن أخرها عن صلاة العيد بلا عذرٍ لن تقبل منه ؛ وأما إن أخرها لعذرٍ فلا بأس .
وأما مكان دفعها فتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج سواءً كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين .
أسأل الله تعالى أن يكتبنا عنده ممن صام وقام رمضان إيماناً واحتسابا وأن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الفضيل وأن يوفقنا لقيام ليلة القدر . بارك الله .....
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين . وبعد
عباد الله:
إن شهر رمضان قَرُبَ رحيله وأزف تحويله وإنه شاهدٌ لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال ، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك ، وليَبْشُرْ بحسن الثواب ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ومن أودعه عملاً سيئاً فليتب إلى ربه توبة نصوحا فإن الله يتوب على من تاب .
ولقد شرع الله لكم في ختام شهركم عبادات تزيدكم من الله قربا، وتزيد في إيمانكم قوة في سجل أعمالكم حسنات ، فشرع الله لكم زكاة الفطر وتقدم الكلام عليها ، وشرع لكم التكبير عند إكمال العدة من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد ، قال تعالى : ( ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِرُوا الله على ما هَداكُم وَلَعَلْكُم تَشْكُرُون ) وصفته : أن يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، ويُسَنُّ جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره وَتُسِرُّ به النساء لأنهنَّ مأموراتٌ بالتَّستُّر والإسرار بالصوت .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد مع أن البيوت خيرٌ لهن فيما عدا هذه الصلاة وهذا دليل على تأكيدها . ولكن تخرج غير متجملةٍ ولا متطيبةٍ ولا متبرجةٍ ولا سافرةٍ لأنها مأمورةٌ بالتستر منهيةٌ عن التبرج بالزينة وعن التطيب حال الخروج .
ومن السنة أن يأكل قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً او أكثر من ذلك يقطعها على وترٍ ، لقول أنس بن مالك – رضي الله عنه - : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو الفِطْرَ حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً ) . ويسن للرجل أن يتجمل ويلبس أحسن ثيابه .ولا يجوز للرجل أن يلبس شيئاً من الحرير أو شيئاً من الذهب ؛ لأنهما حرامٌ على الذكور من أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
ويوم العيد يوم فرح وسرور لأمة الإسلام ولكن بحدود المأذون شرعاً فالإسلام لايأذن لمعتنقيه أن يتلذذوا بالمعاصي فهو دينٌ يلازمُ معتنقيه من الولادة حتى الموت ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
عـباد اللـه : هل ننظر في لباس زوجاتنا وبناتنا الذي أعد للعيد ؟ وهل هو موافقٌ للشرع بطولـه وسعتـه أم لا ؟
عباد الله : إن العيد شكرٌ وليس فسقٌ فاحفظوا بناتكم وألزموهن اللباس الشرعي ، وكونوا عوناً لشباب الأمة على حفظ أبصارهم .
اللهم تقبل صيامنا ، وقيامنا ، وصالح أعمالنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اجعل شهر رمضان شاهداً لنا لا علينا ، اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة ، وأزمنةً مديدة ونحن بصحة وعافية ، اللهم اجعلنا فيه من المرحومين ، ولا تجعلنا فيه من المحرومين . اللهم أعد علينا رمضان وقد صفت نفوسنا ورقت قلوبنا وخلت من الضغائن والأحقاد . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد كتبتنا في سجل الفائزين برحمتك يا رب العالمين . اللهم أعد علنيا رمضان ، وقد تعبدت الأرض لرب العباد وآلت إلى بارئها ومعبودها .
اللهم أعد علينا رمضان ، وقد مَنَنْتَ على عبادك الموحدين بتوبة ومغفرة ورحمة من عندك لا يَشْقُونَ بعدها أبداً . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد تآلفت القلوب وتعانقت الأرواح وانتشر خُلُقُ الإيثار في مجتمعنا . اللهم أعد علينا رمضان ، وما زال كتابك لا تراوحه أيدينا ولا تجافيه قلوبنا . اللهم أعد علينا رمضان ، وما زالت مساجدنا عامرة بذكرك فرحة بإقبال العابدين عليها في كل صلاة . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد تحرر مسجدنا الأسير من أيدي اليهود . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد أُعيدت لأمتنا كرامتها وعزتها وتحررت من قيود المستعمرين والطغاة. اللهم أعد علينا رمضان ، وقد عاد شبابنا إلى دينك والتزم هدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أعد علينا رمضان وقد اختفت المسلسلات المغرضة والأفلام الهابطة والأغاني الماجنة من على شاشات إعلامنا العربي والإسلامي . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد اختفت المجاعة والفيضانات والكوارث من أرجاء المعمورة واكتسى المساكين ، واغتنى بغناك الفقير ، وقوي بقوتك الضعفاء والمحتاجين ، وتاب إليك العصاة والمذنبون . اللهم أعد علينا رمضان ، وقد مننت على فتياتنا ونساءنا بالهداية ولبس الحجاب ، وترك التبرج والزينة خارج البيوت . اللهم آمين
عباد الله إن الله يأمر العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون وأقم الصلاة .