تخريج حديث : (مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الجَاهِليَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهنِ أبِيهِ وَلاَ تَكْنُوا) ؟
درجة الحديث : حسن لغيره .
رواه البخاري في (الأدب المفرد) [963/1] ، والنسائي في (السنن الكبرى) (5/272) [8864] و (6/242) [10812] وفي (عمل اليوم والليلة) [976] ، وأحمد في (المسند) (5/136) وابنه في (زوائد المسند) (5/136) ، وابن أبي شيبة في (المصنف) (15/33) [19030] أو (7/456) [37183] ، وأبو عبيد القاسم بن سلام في (غريب الحديث) (3/163) [422] و (3/288) [467] (ط مجمع اللغة العربية) ، والحربي في (الغريب) (3/919) ، والطحاوي في (شرح مشكل الآثار) [3204] و [3207] والهيثم بن كليب الشاشي في (مسنده) (3/374) [1499] ، وابن حبان في [3153الإحسان] أو [736 موارد] والطبراني في (المعجم الكبير) (1/198-199) [532] والقطيعي في (جزء الألف دينار) [209] وأبو نعيم في (معرفة الصحابة) [756] ، والبغوي في (شرح السنة) (13/120-121) [3541] ، والضياء المقدسي في (المختارة) [1242] و [1244] ، والمزي في (تهذيب الكمال) (19/339-330) و (19/330)
كلهم من طريق عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن الحسن عن عُتي ابن ضمرة قال : رأيت أبيا وتعزى رجل بعزاء الجاهلية ، فأعضه ولم يكن ، قال : قد أرى الذي في أنفسكم [أو في نفسك] إني لم أستطع إذ سمعتها أن لا أقولها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا"
تفسير العلماء لهذا الحديث ، فقد نص العلماء على أن هذا ترهيب شديد لمن اعتزى بعزاء الجاهلية .
وقد ذكر ابن تيمية كلاما نفيسا حول الفاحشة وقولها ، وذلك في (مجموع الفتاوى) (15/381-382) حتى قال: " ثم إن كل واحد من إظهار ذلك للسمع والبصر يباح للحاجة بل يستحب إذا لم يحصل المستحب أو الواجب إلا بذلك ، كقول النبي لماعز : "أنكتها" وكقوله : "من تعزى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" وراجع كلامه ولولا خشية الإطالة أكثر من ذلك لذكرته مطولا .
ومن ذلك قول الصديق رضي الله عنه لعروة بن مسعود في الحديث الطويل الذي رواه البخاري [2734] وغيره : "امصص ببظر اللات"
فهذا لقبح قوله وفعله قابله الصديق بكلام يزجره ، والتصريح بالعورة يجوز عند الحاجة والضرورة ، كما سبق تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لماعز : "أنكتها" ، وهذا حتى لا يلتبس عليه الأمر بشبهة تقبيل أو غير ذلك ، ولكل مقام مقال .
وقال ابن القيم في (زاد المعاد) (2/400) : "وكان ذكر هِن الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبر بدعوى الجاهلية بالعضو الذي خرج منه ؛ وهو هن أبيه ، فلا ينبغي له أن يتعدى طوره"
فهذا يتكبر على غيره ، فكان ينبغي ردعه ، ولو علم أنه إذا فعل ذلك مرة أخرى شتم أمام الناس ، ولا يستطيع أحد أن يرد عنه ، لم يتكبر ، وهذا يذكرني بحديث نشد الضالة في المسجد ، وهو معروف ، فتأمل كيف يدعو الناس على من نشد الضالة في المسجد ، أتراه ينشدها وهو يعلم الدعاء عليه من المصلين في المسجد وغالبهم على وضوء وفي مكان طاهر ؟ أو هذا الذي ينظر في بيوت الناس ، لو علم أنه سيطعن في عينه ، ولا كرامة لخاف من ذلك ولم ينظر ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، وغالبا تأتي العقوبة الشديدة على الفعل القبيح ، والله أعلى وأعلم .
وقال المناوي في (فيض القدير) (1/357) : "وخص الأب لأن هتك عورته أقبح "
وقال (1/381) : "فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح وهجر ؛ زجرا له عن فعله الشنيع ، وردعا له عن قوله الفظيع "
قال الطحاوي في (شرح المشكل) بعد أن روى حديث الباب : [ ففي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن سمع يدعو بدعاء الجاهلية ما أمر به فيه ، فقال قائل : كيف تقبلون ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تروون عنه ..... (وساق الطحاوي بسنده حديث ) "الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجفاء في النار " ؟ قال : ففي هذا الحديث أن البذاء في النار ، ومعنى البذاء في النار هو : أهل البذاء في النار لأن البذاء لا يقوم بنفسه ، وإنما المراد بذكره من هو فيه .
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ومعنى قوله (من تعزى بعزاء الجاهلية) يعنى يعتزى بعزواتهم وهي الانتساب إليهم في الدعوة مثل قوله يالقيس ياليمن ويالهلال ويالاسد فمن تعصب لأهل بلدته أو مذهبه أو طريقته أو قرابته أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله فإن كتابهم واحد ودينهم واحد ونبيهم واحد وربهم إله واحد لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم واليه ترجعون". انتهى.
وذكر ابن القيم الحكمة من ذكر هن الأب، فقال في زاد المعاد: ذكر هن الأب لمن تعزى بعزاء الجاهلية فيقال له: اعضض هن أبيك، وكان ذكر هن الأب ها هنا أحسن تذكيرا لهذا المتكبر بدعوى الجاهلية بالعضو الذي خرج منه، وهو هن أبيه، فلا ينبغي له أن يتعدى طوره. انتهى.
وما هذا إلا لشدة تحريم التعصب للقوميات الجاهلية، قال الشنقيطي في أضواء البيان: فانظر كيف سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك النداء « عزاء الجاهلية » وأمر أن يقال للداعي به اعضض على هن أبيك» أي فرجه، وأن يصرح له بذلك ولا يعبر عنه بالكناية. فهذا يدل على شدة قبح هذا النداء، وشدة بغض النبي صلى الله عليه وسلم له.... واعلم أن رؤساء الدعاة إلى نحو هذه القومية العربية: أبو جهل، وأبو لهب، والوليد بن المغيرة، ونظراؤهم من رؤساء الكفرة. وقد بين تعالى تعصبهم لقوميتهم في آيات كثيرة. كقوله: قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا {المائدة 104 :}، وقوله: قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا {البقرة: 170}، وأمثال ذلك من الآيات .
ومع هذا كله فإن النبي صلى الله عليه وسلم كنى في هذا الحديث ولم يصرح، لأن كلمة هن نفسها كناية عن الفرج وليست تصريحا باسمه، فقد قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث:" والهن بالتخفيف والتشديد كناية عن الشيء لا تذكره باسمه".
والله أعلم .
درجة الحديث : حسن لغيره .
رواه البخاري في (الأدب المفرد) [963/1] ، والنسائي في (السنن الكبرى) (5/272) [8864] و (6/242) [10812] وفي (عمل اليوم والليلة) [976] ، وأحمد في (المسند) (5/136) وابنه في (زوائد المسند) (5/136) ، وابن أبي شيبة في (المصنف) (15/33) [19030] أو (7/456) [37183] ، وأبو عبيد القاسم بن سلام في (غريب الحديث) (3/163) [422] و (3/288) [467] (ط مجمع اللغة العربية) ، والحربي في (الغريب) (3/919) ، والطحاوي في (شرح مشكل الآثار) [3204] و [3207] والهيثم بن كليب الشاشي في (مسنده) (3/374) [1499] ، وابن حبان في [3153الإحسان] أو [736 موارد] والطبراني في (المعجم الكبير) (1/198-199) [532] والقطيعي في (جزء الألف دينار) [209] وأبو نعيم في (معرفة الصحابة) [756] ، والبغوي في (شرح السنة) (13/120-121) [3541] ، والضياء المقدسي في (المختارة) [1242] و [1244] ، والمزي في (تهذيب الكمال) (19/339-330) و (19/330)
كلهم من طريق عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن الحسن عن عُتي ابن ضمرة قال : رأيت أبيا وتعزى رجل بعزاء الجاهلية ، فأعضه ولم يكن ، قال : قد أرى الذي في أنفسكم [أو في نفسك] إني لم أستطع إذ سمعتها أن لا أقولها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا"
تفسير العلماء لهذا الحديث ، فقد نص العلماء على أن هذا ترهيب شديد لمن اعتزى بعزاء الجاهلية .
وقد ذكر ابن تيمية كلاما نفيسا حول الفاحشة وقولها ، وذلك في (مجموع الفتاوى) (15/381-382) حتى قال: " ثم إن كل واحد من إظهار ذلك للسمع والبصر يباح للحاجة بل يستحب إذا لم يحصل المستحب أو الواجب إلا بذلك ، كقول النبي لماعز : "أنكتها" وكقوله : "من تعزى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" وراجع كلامه ولولا خشية الإطالة أكثر من ذلك لذكرته مطولا .
ومن ذلك قول الصديق رضي الله عنه لعروة بن مسعود في الحديث الطويل الذي رواه البخاري [2734] وغيره : "امصص ببظر اللات"
فهذا لقبح قوله وفعله قابله الصديق بكلام يزجره ، والتصريح بالعورة يجوز عند الحاجة والضرورة ، كما سبق تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لماعز : "أنكتها" ، وهذا حتى لا يلتبس عليه الأمر بشبهة تقبيل أو غير ذلك ، ولكل مقام مقال .
وقال ابن القيم في (زاد المعاد) (2/400) : "وكان ذكر هِن الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبر بدعوى الجاهلية بالعضو الذي خرج منه ؛ وهو هن أبيه ، فلا ينبغي له أن يتعدى طوره"
فهذا يتكبر على غيره ، فكان ينبغي ردعه ، ولو علم أنه إذا فعل ذلك مرة أخرى شتم أمام الناس ، ولا يستطيع أحد أن يرد عنه ، لم يتكبر ، وهذا يذكرني بحديث نشد الضالة في المسجد ، وهو معروف ، فتأمل كيف يدعو الناس على من نشد الضالة في المسجد ، أتراه ينشدها وهو يعلم الدعاء عليه من المصلين في المسجد وغالبهم على وضوء وفي مكان طاهر ؟ أو هذا الذي ينظر في بيوت الناس ، لو علم أنه سيطعن في عينه ، ولا كرامة لخاف من ذلك ولم ينظر ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، وغالبا تأتي العقوبة الشديدة على الفعل القبيح ، والله أعلى وأعلم .
وقال المناوي في (فيض القدير) (1/357) : "وخص الأب لأن هتك عورته أقبح "
وقال (1/381) : "فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح وهجر ؛ زجرا له عن فعله الشنيع ، وردعا له عن قوله الفظيع "
قال الطحاوي في (شرح المشكل) بعد أن روى حديث الباب : [ ففي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن سمع يدعو بدعاء الجاهلية ما أمر به فيه ، فقال قائل : كيف تقبلون ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تروون عنه ..... (وساق الطحاوي بسنده حديث ) "الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجفاء في النار " ؟ قال : ففي هذا الحديث أن البذاء في النار ، ومعنى البذاء في النار هو : أهل البذاء في النار لأن البذاء لا يقوم بنفسه ، وإنما المراد بذكره من هو فيه .
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ومعنى قوله (من تعزى بعزاء الجاهلية) يعنى يعتزى بعزواتهم وهي الانتساب إليهم في الدعوة مثل قوله يالقيس ياليمن ويالهلال ويالاسد فمن تعصب لأهل بلدته أو مذهبه أو طريقته أو قرابته أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله فإن كتابهم واحد ودينهم واحد ونبيهم واحد وربهم إله واحد لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم واليه ترجعون". انتهى.
وذكر ابن القيم الحكمة من ذكر هن الأب، فقال في زاد المعاد: ذكر هن الأب لمن تعزى بعزاء الجاهلية فيقال له: اعضض هن أبيك، وكان ذكر هن الأب ها هنا أحسن تذكيرا لهذا المتكبر بدعوى الجاهلية بالعضو الذي خرج منه، وهو هن أبيه، فلا ينبغي له أن يتعدى طوره. انتهى.
وما هذا إلا لشدة تحريم التعصب للقوميات الجاهلية، قال الشنقيطي في أضواء البيان: فانظر كيف سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك النداء « عزاء الجاهلية » وأمر أن يقال للداعي به اعضض على هن أبيك» أي فرجه، وأن يصرح له بذلك ولا يعبر عنه بالكناية. فهذا يدل على شدة قبح هذا النداء، وشدة بغض النبي صلى الله عليه وسلم له.... واعلم أن رؤساء الدعاة إلى نحو هذه القومية العربية: أبو جهل، وأبو لهب، والوليد بن المغيرة، ونظراؤهم من رؤساء الكفرة. وقد بين تعالى تعصبهم لقوميتهم في آيات كثيرة. كقوله: قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا {المائدة 104 :}، وقوله: قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا {البقرة: 170}، وأمثال ذلك من الآيات .
ومع هذا كله فإن النبي صلى الله عليه وسلم كنى في هذا الحديث ولم يصرح، لأن كلمة هن نفسها كناية عن الفرج وليست تصريحا باسمه، فقد قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث:" والهن بالتخفيف والتشديد كناية عن الشيء لا تذكره باسمه".
والله أعلم .