الحمد لله الذي لا يموت ولا يفنى ، القيوم الذي لا يُسمّى إلا بما تَسمى ، العزيز الذي لا يدنو إليه إلا من أدنى ،الواحد الأحد هو أغنى وأقنى ، العدل الذي خلق الذكر والانثى من نطفة إذا تمنى ، يجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
أحمده على ما نزل به القضاء ،حمداً يضيق بنشره الفضاء . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تعالى عن الأنداد والشركاء ، وتقدس عن الأعوان والوزراء . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أزال الله به الشرك والظلماء ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الكرام الأتقياء وسلم تسليماً . أما بعد ، عباد الله
لا شك أن أمر التاريخ مهم جداً ، فهو يشكل عماد الأمم ، ويحدد لها منهجها وحاضرها ومستقبلها ولو أمعنا النظر في تاريخنا الإسلامي لوجدناه يحمل من أمجاد وبطولات وانتصارات ، يصغر عنده تاريخ أي أمة من الأمم ، ولو جدنا أن انصع بياضاً هي الفترة التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ذلك الجيل الذي حمل على عاتقه نشر رسالة الإسلام ، فهو صفوة خلق الله بعد الأنبياء .
ولقد أدخل في التاريخ الإسلامي ما ليس منه ، وزيد فيه ونقص منه ، فيجب علينا أولياء الأمور أن نصحح لأبنائنا ، ولجيل المستقبل ونبين لهم الصواب من الخطأ .
لذلك يقول أبو عبدالله القحطاني في نونيته :
لا تقبلن من التواريخ كل ما جمع الرواة وخط كل بنـانِ
إروِ الحديث المنتقى عن أهله سيما ذوي الأحلام والأسنانِ
إذاً ونحن نقرا كتب التاريخ نحذر من أن نميل مع رأي المؤلف أو الكاتب ، إذ لا بد أن ننظر إلى أصل الرواية لا إلى رأيه ، وأن نكون منصفين ونحن نقرأ أي كتاب .
ولا بد أن نعتقد ونحن نقرأ تاريخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرين اثنين :
1. أن نعتقد أن الصحابة خير البشر بعد أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم .
2. أن نعتقد أنهم غير معصومين .
أيها المسلمون : هناك حَدَثٌ عظيم في التاريخ الإسلامي ، حَدَث عظيم أصبح فيه خَبطٌ وخلطٌ كثير بين من كتب في التاريخ الروايات الضعيفة والمكذوبة والموضوعة ، قد صُبَتّ وبوليغ فيها في هذا الحدث العظيم ، وآفة التاريخ كما قال أهل التاريخ لا تكون إلا من الرواة ، فالرواة الذين يكذبون في الحديث ويزيدون فيه إنما تأتي الطآمات والتُرَّآهات من أكاذيبهم ، هذا الحدث هو حدثٌ عظيم حدثٌ جَلَل ، ينبغي على أهل السنة والجماعة أن تكون عندهم المعرفة الصحيحة بهذا الحدث التاريخي الهام حتى لا ينساقوا وراء الأكاذيب والمحدثات والأراجيف ، الحدث هو مقتل الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن أبيه
و سنتكلم أولاً إن شاء الله في هذه الجمعه والتي تليها بمشيئة الله عن الحسين وسنستعرض سيرته العطرة ،لنستلهم الدروس من حياته رضي الله عنه وأرضاه .
هو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هشام بن عبد مناف الهاشمي أبو عبدالله سبط الرسول صلى الله عليه وسلم ، والسبط هو ابن الأبن أو ابن البنت .
ولد سنة أربعه في شعبان ، وقيل سنة ست ، مناقبه كثيرة رضي الله عنه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرٌ منهما ) حديث صحيح عند ابن ماجه والحاكم والطبراني وغيرهم .
قال وأيضاً: ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحي بن زكريا ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة ، إلا ما كان من مريم بنت عمران ) عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( حسينٌ مني وأنا منه أحبَ اللهُ من أحَبَ حُسيناً ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) رواه البخاري في الأدب المفرد ، والترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم ، وهو صحيح عن يعلى بن مرة .
وعن الحسن سمع أبي بكرة يقول ، قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر في مناقب الحسن والحسين : ( قال إن ابني هذا سيد وَلَعَلَّ اللهُ يصلح به بين فئتين من المسلمين ) .
وقال أبي بكرة ( أُرقُبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته ) أُرقُبوه بمعنى احفظوه ، وتعاهدوه في أهل بيته صلى الله عليه وسلم .
وقال أبي محمد الأندلسي القحطاني :
واحفظ لأهل البيت واجبَ حقهم واعرف عليـاً أيّما عِرفانِ
لاتنتقصه ولا تزد في قـــدره فعليه تصلى النـارَ طائفتانِ
إحداهما لا ترتضيه خليفـــةً وتنصه الأخرى إلهاً ثــانِ
ويقول عن حُبِ آل البيت :
حُبُ الصحابةِ والقرابةِ سُنّةٌ ألقى بها ربي إذا أحياني
فالصحابة كانوا يحبون آل البيت عليهم السلام، ولم تكن بينهم عداوة ولا كراهة .
عن العيزار بن حُريش ،قال بينما عبدالله بن عمر جالساً في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبلاً فقال هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم ) إسناده صحيح كما في الإصابة لابن حجر وهو عند الخطيب .
بارك الله لي ولكم .........
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وآله وصحبه ،أما بعد
عباد الله :قلة هم أولئك الذين يتسنّمون قمم الخلود والسمو والعظمة، وقلة هم أولئك الذين ينفصلون عن آخر الزمان والمكان. ليكونوا ملكاً للحياة والإنسان.
أولئك القلة هم عظماء الحياة، وأبطال الإنسانية، ولذلك تبقى مسيرة الحياة، ومسيرة الإنسان، مشدودة الخطى نحوهم، وما أروع الشموخ والسمو والعظمة، إذا كان شموخاً وسمواً وعظمة، صنعه إيمان بالله، وصاغته عقيدة السماء.
الحسين بن علي (عليه السلام) قمة من قمم الإنسانية الشامخة، وعملاق من عمالة البطولة والفداء.
فأعظم بإنسان.. جدّه محمد سيد المرسلين، وأبوه علي بطل الإسلام الخالد، وأمه الزهراء فاطمة سيدة نساء العالمين، وأخوه السبط الحسن ريحانة الرسول، نسب مشرق وضّاء، ببيت زكي طهور.
أدرك الحسين من حياة النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين، وصحبه إلى أن توفي وهو عنه راض، ولكنه كان صغيراً، ثم كان الصديق يكرمه ويعظمه، وكذلك عمر وعثمان، وصحب أباه وروى عنه، وكان معه في مغازيه كلها، وكان معظماً موقراً ولم يزل في طاعة أبيه حتى قتل ، رحمه الله .
عظم الله أجوركم ،وإنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيراً منها .
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه بقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ صاحبِ الوجهِ الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أولي الفضل الجلي ، والقدر العلي ، أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين اللهم وحد كلمة المسلمين ، واهد ضال المسلمين ،اللهم اشف مرضى المسلمين ،اللهم ارحم موتى المسلمين اللهم اقضي ديوننا ،واشرح صدورنا ،وثبت حجتنا ،وسدد ألسنتنا ، وأحفظ جوارحنا .